مشاركة معجزة الولادة الطبيعية
عائشة الحجار - ترجمة: نور سلمان
حينما كنت حامل بطفلي الثامن، سكنت في مصر التي لم يكن يُعرف فيها دورس الولادة التثقيفية، والتي كان يتم استخدام التخدير العام للمرحلة الثانية من المخاض في كثير من الحالات، كما انتشرت فيها عمليات القيصرية الاختيارية. لهذه الاسباب شعرت أن هناك حاجة لإدخال تثقيف مميز للولادة لتلك المنطقة ولكني توقعت أن أواجه صعوبات كثيرة ولم أكن متأكدة إذا كان لدى النساء اهتمام بولادة طبيعية غير طبّية. وكذلك أدركت صعوبة الحصول على طبيب مولّد داعم. كان رجائي أن عملي سيُحسن تجربة الولادة حتى لو لقلة قليلة من الأمهات والأطفال، ولم يكن بحسباني اي حجم كبير لتأثير نتائج ما سأقوم به.
سافرت للولايات المتحدة الأمريكية وأنا في شهري السادس من الحمل للتدريب كمثقفة ولادة. كنت متحمسة لمشاركة ما تعلمته عندما اعود لمصر ولكن خطتي تضمنت سفري للمملكة العربية السعودية لولادة طفلتي، فاعتقدت أني لن أدرس قبل ذلك. فسبحان الله الذي أراد شيئًا آخر! حينما وصلت منزلي بالاسكندرية، مرهقة من الرحلة الطويلة، استقبلتني أمي بحماس شديد قائلة "عليك أن تقرأي هذا الإعلان على الإنترنت". ورغم تعبي بادرت بقراءة التالي:
"السلام عليكم جميعًا
أتمنى لكم تمام الصحة والإيمان. هناك طبيبة في مركز تعليم طبي ترغب في تجهز محاضرة مجانية للأمهات الحوامل يوم ١٣ يوليو، وتود أن ترافقها أمريكية أو أجنبية لتعطي لمحة عن طرق التوليد أو القبالة من وجهة نظر مختلفة. في هذا المركز يقومون بأشياء رائعة للتوعية بشؤون صحة المرأة وهو مدعوم من قبل الحكومة لذا أسعار الرسوم الطبية معقولة جدًا. لمن يهمها الأمر نرجو التواصل مع الطبيبة مباشرة...."
سبحان الله! هذا بالضبط ما يخص مجالي. لم أصدق توقيت هذا الإعلان! لقد رجعت لتوي من تدريبي كمثقفة ولادة وها هنا تقفز هذه الفرصة أمام عيني! رب لك الحمد! ولكن إلى الآن لم أدرك تبعات ونتائج هذه الأحداث.
اتصلت بالطبيبة بعد صلاة الاستخارة فطلبت مني أن أقابلها شخصيًا لمناقشة ما بإمكاني تقديمه للمحاضرة. جهزت حقيبتي بأدواتي التعليمية وذهبت للقائها. أعجبت الطبيبة بمنهج الدورة وبالتنسيق المحترف لكتاب الطالب وعرضت عليّ بعض التمارين الأساسية مما خططت شرحه عمليًا أثناء المحاضرة. وتأكدت من صحة التمارين عندما وجدت في المراجع لدي نفس التمارين. وحينها بدأنا بالعمل المكثف معًا لتجهيز المحاضرة القادمة عن الولادة الطبيعية مما أدى إلى توطيد علاقة الصداقة بيننا.
أبهرتني الطبيبة باهتمامها الشديد بكل ما يخص مادة الولادة الطبيعية، فلقد أصبحت شغوفة أكثر كما توغلت في المعلومات وعطشة لتعلم المزيد. لم أكن أعلم آنذاك أنها لم ترى ولادة طبيعية كاملة (غير طبية) قط.
(تأمل ذلك: طبيبة توليد نسائية لديها ١٦ سنة خبرة ولم تحضر ولادة طبيعية واحدة ليست طبية!)
أسرّت لي مرة أنها لا تؤمن بالولادة الطبيعية وأنها قبل مقابلتي كانت توصي مريضاتها بالعملية القيصرية الاختيارية. أذكر شعرت وقتها بالخذلان فسألتها كيف قررت أن تلقي محاضرة عن الولادة الطبيعية، فأوضحت أنها لم تقرر ذلك ولكن تم تكليفها لإعطاء المحاضرة. وعندما أحست باليأس من المهمة، تواصلت مع إحدى مريضاتها الأجانب والتي بدورها قامت بإرسال الإعلان الغامض على موقع للأجنبيات المقيمات في مصر. وبالتالي تلاقينا بالصدفة وكانت هذه بداية شراكتنا. سبحان الله.
اشتغلنا ليلًا ونهارًا وجهزنا محاضرة هائلة. وفي اليوم الموعود، حضر أكثر من ٩٠ طبيب/ة توليد وممرضات وأمهات حوامل وغيرهم ممن يهمه الأمر بمن فيهم الإعلام. كانت هذه المحاضرة بداية لسلسة من الأحداث التي تدعني دائمًا أقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر!
قررت الطبيبة تجربة تنفيذ ما تعلمته نظريًا عن الولادة الطبيعية بشكل عملي في ممارستها الخاصة، وطلبت مني حضور عدة ولادات معها كدولا مرافقة للأم (بالأحرى كدولا داعمة للطبيبة). كانت تجربة رائعة بالنسبة لي أن أشارك في الولادات ولكن الأروع من ذلك هو رؤية تبدل أفكارها عن مسار المخاض والولادة.
عقب هذه الولادات، سألت إحدى الممرضات التي اندهشت بمشاهدة ولادة طبيعية حقيقية بالكامل: "هل هذه طريقة جديدة للولادة؟"، فأجابتها الطبيبة: "لا، إنها الطريقة الأصلية للولادة". ما شاء الله.
أصبحت هذه الطبيبة تترجم لي ما قدمته من دروس الولادة. جميع الحاضرات كنّ سيدات مصريات لا يتقن اللغة الإنكليزية ومن خلال هذه التجربة، تعلمت القليل من اللغة العربية بينما تعلمت الطبيبة الكثير عن الولادة الطبيعية.
وصلت شهري التاسع من الحمل عندما انتهت دروس الولادة وأسرعت متجهة للرياض لولادة طفلي الثامن. في هذه الأثناء، لم تستطع الطبيبة الاحتفاظ بما تعلمته عن الولادة الطبيعية لنفسها. فبينما مضيت في إنشاء برنامج أماني للولادة الطبيعية (برنامج لتعليم الولادة من منظور إسلامي)، قامت بافتتاح عيادتها الخاصة للولادة الطبيعية، لخدمة الأمهات مع مثقفات ودولات متدربات مع أماني للولادة الطبيعية، ما شاء الله. وما زلنا إلى الآن صديقتين عزيزتين.
لم يكن بإمكاني توقع تقلب الأحوال بهذا الشكل قط. فلقد أنعم الله عليّ أن أكون شاهدة على تغيّر هذه الطبيبة وأسعدني برؤية ما أحدثته من تعديلات.
ولا يسعني وصف كم كان لي من الشرف أن قدمت لها الولادة كما خلقها الله: طبيعية وغير طبية. إنني سعيدة برؤية اكتشافها لمعجزة الولادة،فقد كانت هذه بداية رحلتي... رحلة مليئة بالكثير من التيسيرات والنمو السريع لبرنامج أماني للولادة الطبيعية وسرعة تأثيره على ممارسات التوليد في الشرق الأوسط.
لله الحمد كله أولًا وآخرًا.